کد مطلب:280440 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:196

العترة بین التحذیر و الابتلاء
إن الله تعالی یمتحن الناس بالناس. قال تعالی: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصیرا) [1] فدائرة الهدی علی امتداد المسیرة البشریة، فتنة لسائر الناس یمتحنون بهم، فیمیز بهم أهل الریب من أهل الإیمان، والمتبعون للأهواء من طلاب الحق الصابرین فی طاعة



[ صفحه 295]



الله وسلوك سبیله، وكما أن النبی (ص) أمر أمته بأن یتمسكوا بحبل العترة حتی لا یضلوا، وقال أذكركم الله فی أهل بیتی. أذكركم الله فی أهل بیتی. أذكركم الله فی أهل بیتی [2] وقال إنی تركت فیكم ما إن أخذتم به لن تضلوا. كتاب الله وعترتی أهل بیتی، [3] فإنه أخبر أمته بأنهم سیمتحنون بأهل بیته. قال إنكم ستبتلون فی أهل بیتی من بعدی، [4] وأخبر بالغیب عن ربه بما سیسفر عنه الامتحان، فقال إن أهل بیتی سیلقون من بعدی من أمتی قتلا وتشریدا. [5] .

وأخبر النبی (ص) علی بن أبی طالب. بما سیجری له من بعده، وقال له إن الأمة ستغدر بك بعدی، وأنت تعیش علی ملتی، وتقتل علی سنتی، من أحبك أحبنی، ومن أبغضك أبغضنی، وإن هذه (یعنی لحیته) ستخضب من هذا (یعنی رأسه)، [6] وروی أن النبی (ص) قال له:

ألا أحدثك بأشقی الناس، رجلین، أحیمر ثمود الذی عقر الناقة، والذی یضربك یا علی علی هذه (یعنی رأسه) حتی تبتل منه هذه (یعنی لحیته). [7] .

وأخبر النبی (ص) الحسین بن علی بما سیجری له من بعده، وروی ابن كثیر عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت: أشهد لقد سمعت عائشة تقول: أنها سمعت رسول الله نهض یقول: یقتل الحسین بأرض



[ صفحه 296]



بابل [8] وروی الحاكم عن ابن عباس قال: ما كنا نشك وأهل البیت متوافرون أن الحسین یقتل بالطف [9] وروی أن النبی (ص) قال: إن ابنی هذا یقتل بأرض من أرض العراق یقال لها كربلاء. فمن شهد ذلك فلینصره، [10] وقال النبی (ص): أخبرنی جبریل أن ابنی الحسین یقتل بعدی بأرض الطف، وجاءنی بهذه التربة وأخبرنی أن فیها مضجعه. [11] .

والخلاصة: إن الله یختبر الناس بالناس، وعلی هذا الاختبار یظهر أهل الریب من أهل الإیمان، قال تعالی: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة)، [12] وقال سبحانه (وكذلك فتنا بعضهم ببعض لیقولوا أهؤلاء من الله علیهم من بیننا. ألیس الله أعلم بالشاكرین)، [13] وقال تعالی: (وهو الذی جعلكم خلائف فی الأرض. ورفع بعضكم فوق بعض درجات لیبلوكم فی ما آتاكم)، [14] والدعوة الخاتمة بینت الدرجات. وأمر تعالی بمودة قربی النبی (ص). قال تعالی: (قل لا أسألكم علیه أجرا إلا المودة فی القربی) [15] وبینت الدعوة أن الذین لا یصلون ما أمر الله به أن یوصل، والذین لم یأخذوا بما أمرهم تعالی به من طاعة وبما نهاهم به من نهی، فهؤلاء خاسرون فی الدنیا والآخرة، قال تعالی: (الذین



[ صفحه 297]



ینقضون عهد الله من بعد میثاقه ویقطعون ما أمر الله به أن یوصل ویفسدون فی الأرض أولئك هم الخاسرون)، [16] وقال جل شأنه (فهل عسیتم إن تولیتم أن تفسدوا فی الأرض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذین لعنهم الله فأصمهم وأعمی أبصارهم). [17] .

وبینت الدعوة الإلهیة الخاتمة. أن عدم مودة الذین أمر الله بمودتهم، یفتح الطریق أمام مودة أعداء الفطرة وقد أمروا بعدم مودتهم، قال تعالی (یا أیها الذین آمنوا لا تتخذوا عدوی وعدوكم أولیاء تلقون إلیهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق). [18] فالآیة تنهی عن مودة المشركین والكفار وتنهی أن یتخذوا أولیاء وأصدقاء وأخلاء. وتفتح الطریق أمام عبادة الأهواء والأوثان. قال تعالی حاكیا عن إبراهیم قوله لقومه (قال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بینكم فی الحیاة الدنیا ثم یوم القیامة یكفر بعضكم ببعض ویلعن بعضكم بعضا) [19] قال المفسرون: وبخهم علی سوء صنیعهم فی عبادة الأوثان. وقال: إنما اتخذتم هذه لیجتمعوا علی عبادتها فی الدنیا صداقة وألفة منكم بعضكم لبعض فی الحیاة الدنیا، ثم یوم القیامة ینعكس هذا الحال، فتبقی هذه الصداقة والمودة بغضا وشنآنا، وتتجاحدون ما كان بینكم، ویلعن الأتباع المتبوعین، والمتبوعین الأتباع.

فالطریق یبدأ بأمر الله ونهیه، وعلی امتداد الطریق یمتحن الله الناس ببعض الناس، فمن سلك فیما أمر الله به نجا، ومن لم یؤخذ بوصایا الله ضل، والله تعالی أمر بصلة الأرحام، وذروة الأرحام عترة



[ صفحه 298]



النبی الخاتم (ص)، قال (ص) إن الله تعالی جعل ذریة كل نبی فی صلبه.

وأن الله تعالی جعل ذریتی فی صلب علی بن أی طالب، [20] وقال أن لكل بنی أب عصبة ینتمون إلیها إلا ولد فاطمة فأنا ولیهم وأنا عصبتهم، [21] وقال نحن خیر من أبنائنا، وبنونا خیر من أبنائهم، وأبناء بنینا خیر من أبناء أبنائهم، [22] وهكذا فكما أن للعلم درجات، فللأرحام درجات، ومیزان هذه الدرجات هو التقوی والعلم بالله، فمن التف حول الذین أمر الله بمودتهم شرب من الماء، ومن أبی فتحت علیه مودة أخری یتهوكون فیها تهوك الیهود فی الظلم، ویوم القیامة یعض علی یدیه، قال تعالی: (یوم یعض الظالم علی یدیه ویقول یا لیتنی اتخذت مع الرسول سبیلا، یا ویلتی لیتنی لم أتخذ فلانا خلیلا، لقد أضلنی عن الذكر بعد إذ جاءنی. وكان الشیطان للإنسان خذولا، وقال الرسول یا رب إن قومی اتخذوا هذا القرآن مهجورا). [23] .

وعلی امتداد المسیرة الإسلامیة. قامت طائفة الحق بالدفاع عن الفطرة، ولم یضرها من عاداها أو من خذلها، وفی عهد الإمام علی.

خرج علیه أصحاب الأهواء، فقاتلهم الإمام علی تأویل القرآن، وعنه أنه قال أمرنی رسول الله (ص) بقتال الناكثین والقاسطین والمارقین، [24] فالناكثین: أهل الجمل، والقاسطین: أهل الشام، والمارقین: الخوارج، وانطلقت مسیرة الإمام رضی الله عنه بأعلام الحمیة، وروی أن النبی (ص) قال له أنت أخی وأبو ولدی، تقاتل فی سنتی وتبرئ ذمتی، من مات



[ صفحه 299]



فی عهدی فهو كنز الله، ومن مات فی عهدك فقد قضی نحبه، ومن مات یحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإیمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات یبغضك مات میتة جاهلیة. وحوسب بما عمل فی الإسلام، [25] وقال (ص) من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات فمیتته جاهلیة، ومن فاتل تحت رایة عمیة. یغضب لعصبته ویقاتل لعصبته وینصر عصبته، فقتل فقتلته جاهلیة، ومن خرج علی أمتی یضرب برها وفاجرها لا یتحاشی لمؤمنها ولا یفی الذی عهدها، فلیس منی ولست منه. [26] .

وتحت هذا الضوء انطلقت الأمة الخاتمة تحت سقف الامتحان والابتلاء، والله تعالی ینظر إلی عباده كیف یعملون. لاستحقاق الثواب والعقاب یوم القیامة.



[ صفحه 300]




[1] سورة الفرقان آية 20.

[2] رواه مسلم (الصحيح 123 / 7).

[3] رواه الترمذي وحسنه (الجامع 662 / 5) والنسائي (كنز العمال 172 / 1).

[4] رواه الطبراني (كنز العمال 124 / 11).

[5] رواه الحاكم ونعيم بن حماد (كنز العمال 169 / 11).

[6] رواه أحمد والحاكم وصححه (المستدرك 142 / 3) والدارقطني والخطيب (كنز العمال 617 / 11) والبيهقي (البداية 218 / 6).

[7] قال الهيثمي رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات (الزوائد 136 / 9) و الحاكم والبيهقي بسند صحيح (المستدرك 141 / 3، البداية والنهاية 218 / 6، كنز العمال 136 / 13).

[8] البداية والنهاية 177 / 8.

[9] رواه الحاكم وقال السيوطي سنده صحيح (الخصائص / السيوطي 213 / 2).

[10] رواه البغوي وابن السكن والبارودي وابن منده وابن عساكر وأبو نعيم (البداية والنهاية 199 / 8) (كنز العمال 126 / 12) (الخصائص الكبري 213 / 2) (أسد الغابة 349 / 1) (الإصابة 68 / 1).

[11] أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط باختصار (الزوائد 188 / 9) والماوردي في أعلام النبوة بسند صحيح ص 83.

[12] سورة الفرقان آية 20.

[13] سورة الأنعام آية 53.

[14] سورة الأنعام آية 165.

[15] سورة الشوري آية 23.

[16] سورة البقرة آية 27.

[17] سورة محمد آية 23.

[18] سورة الممتحنة آية 1.

[19] سورة العنكبوت آية 25.

[20] رواه الطبراني عن جابر، والخطيب عن ابن عباس (كنز 600 / 11).

[21] رواه الحاكم وابن عساكر (كنز 98 / 12).

[22] رواه الطبراني (كنز 104 / 12).

[23] سورة الفرقان آية 27.

[24] رواه ابن عدي والطبراني وقال ابن كثير روي عن طرق عديدة (البداية والنهاية 334 / 7) (كنز العمال 292 / 11).

[25] رواه أبو يعلي وقال البوصيري رجاله ثقات (كنز العمال 159 / 13).

[26] رواه مسلم (كنز العمال 509 / 3) وأحمد (الفتح الرباني 52 / 23).